maroc المغرب .Errachidia الرشيدية: Editions Revue Brochures Educatives منشورات مجلة كراسات تربوية، (سلسلة ''كتب جماعية'' رقم 01) (
2023)
Copy
BIBTEX
Abstract
...Editions Revue Brochures Educatives مجلة كراسات تربوية .منشورات مجلة كراسات تربوية، (سلسلة ''كتب جماعية'' رقم 01)...
......
تقديم:
شهد قطاع التعليم المغربي عدة تغييرات شملت مجالات متنوعة إن على مستوى المنهاج أو إصلاح الفضاءات التعليمية أو تكوين المدرسين. ولعل مردّ ذلك هو الانفجار المعرفيّ المتزايد، والمكانة المتميّزة للتّربية والتّعليم، واهتمامات الدولة التي أصبحت مركزة على الظواهر المدرسية وفي علاقتها بتغيير المجتمع وارتباطها بالأسرة والمحيط، وتأثرها بالمرجعية الثقافية والدينية، وتفاعلها مع الظروف السياسية والاقتصادية انطلاقا من التيمات الكبرى التي أُنتِجت حول المدرسة من قبيل تصرفات المتعلم وسلوكياته داخل المدرسة، وعلاقات المدرسة بالآباء، وظاهرة العنف، والهدر المدرسي، ودراسة العلاقات التربوية، والأدوار التربوية، والجماعات التربوية.
وتأسيسا على ذلك، أصبح الاهتمام بالتّربية والتّعليم من الأولويات في المملكة المغربية، كما انصب الاهتمام بالمدرسة والتنشئة الاجتماعية، و تم التركيز على دراسة الأنظمة التربوية والظواهر المدرسية ودورها في تغيير المجتمع من خلال علاقتها مع الأسرة والمحيط، وتأثرها بالمرجعية الثقافية والدينية، وتفاعلها مع الظروف السياسية والاقتصادية إذ أُضيفت إلى المدرسة رسائل جديدة ومهمّات متجدّدة؛ لضمان المتعة الثّقافيّة والحضاريّة والمعرفيّة والقيميّة في عالم أضحى يعيش على إيقاع مفاهيم جديدة ليس أقلّها شأنا... مفهوم المواطنة الكونيّة أو العالميّة. وأضحت وظائفها تلامس مختلف جوانب الإنسان لتأهيله وجعله ذلك الكائن الذي يعرف ذاته أولا ثم يكتشف الآخر ثانيا.
وإذا ما نظرنا إلى هذه الوظائف نجدها متعددة، نظرا لتعدد أغراض وأهداف الإنسان، فمنها ما هو تربوي وتعليمي ثم إداري، واجتماعي وأمني، وتكويني، ومنها ما هو إيديولوجي، وإرشادي وتوجيهي، وتواصلي، واقتصادي... وبذلك تؤثر على سلوك الأفراد تأثيرا منظما. والمدرسة من حيث هي كذلك، وباعتبارها الوجه الحقيقي للنظام التربوي ككل، تنصب وظيفتها الرئيسة على سلوك الناشئة، ويقاس مدى تحقيقها لوظائفها بمدى التغيير الذي تنجح في تحقيقه في سلوك أبنائها ومن ثم كان ضروريا أن ينظر إليها نظرة شمولية كنظرتنا نحو المجتمع برمته، وأن تكون في مقدمة وطليعة كل سياسة إصلاحية للمجتمع، وأن ينظر إليها كمرجعية لكل تغيير أو تغير قد تعرفه باقي القطاعات والجوانب الأخرى لحياة الفرد لأنها تستهدف تأهيله والرفع من قدرة فاعليته، بما يتوافق مع التغيرات والتطورات على المستويين المحلي والإقليمي والخارجي.
فلا يمكن الحديث عن نظام تربوي ناجح في المستقبل، ما لم يتم استحضار التطور الحاصل في أدوار ووظائف وآليات اشتغال المدرسة، من خلال التعرف على سيرورات التحولات التي عرفتها المؤسسة التعليمية في الماضي والحاضر.
ففي الوقت الراهن تحولت هذه الوظائف من التلقين والحشو بالمعارف، إلى وظائف أكثر حيوية وتنوعا ودينامية، تتجه صوب إيجاد حلول لتحديات إكساب مناهج وتقنيات تحصيل المعرفة والبحث، وتعزيز القدرات والمهارات الحياتية، وتوسيع الخبرات، إضافة إلى سعيها لتطوير الجاهزية للشغل وتحقيق الذات والعيش المشترك مع الأفراد داخل المجتمع، من أجل القدرة على مواجهة الصعاب والمشكلات التي يمكن أن يواجهها المتعلم في ممارسته اليومية سواء داخل المدرسة أو خارجها. وقد بدأ الرهان منذ بداية الإصلاح، مع الميثاق الوطني للتربية والتكوين (2000) إلى حدود القانون الإطار (2019)، على العنصر البشري الذي يعتبر المشعل الذي ينير درب التنمية في المستقبل، فمتعلم اليوم هو مواطن الغد، وبذلك ركزت المدرسة المغربية كل أنشطتها واهتماماتها على هذا المتعلم وجعلته في قلب الاهتمام والتفكير والفعل، وجعلت كل الهياكل والبرامج والمشاريع في خدمته. فالطاقة البشرية المبنية على أساس الكفاءة والقدرة على مواجهة التحديات والصعاب المجتمعية من شأنها أن تتكيف مع الظروف والإمكانات المحلية والإقليمية والدولية بل والتمكن من بلورة إمكانات جديدة، وفق نهج قوامه الاندماج الاجتماعي.
والتنمية الشاملة تحتاج إلى العديد من المقومات البشرية وغير البشرية، والعنصر البشري هو أهم هذه المقومات، حيث يعد هذا الأخير العنصر الأساسي والركيزة التي تقوم عليها التنمية في أي بلد، ولا سبيل إلى بناء هذا الإنسان إلا عن طريق التربية التي تقوم على تطوير الشخصية الإنسانية وإعادة بنائها، كما تعمل التربية على إيجاد أنماط من السلوك تناسب التنظيمات الاجتماعية الناشئة مع الأخذ بالأساليب العلمية والتكنولوجية، كما تعيد التربية بناء الآراء والمعتقدات لتواكب التغيرات الاجتماعية الناشئة عن عملية التنمية، ومن هنا يتضح أن الإنسان هو أساس التنمية وأداتها، وهو أيضا غايتها، وهو في الوقت نفسه محور العملية التربوية. لذلك يجب أن يكون الإنسان هو محور كل إصلاح كل نظام تربوي، بل يأخذ بعين الاعتبار كل خصوصياته ومتطلباته الاجتماعية صوب التنمية.
ولعل أهم خاصية من خصائص التنمية هي تأهيل القوى البشرية وإعدادها للعمل في القطاعات المختلفة، وعلى كل المستويات، وذلك بتزويدها بالمعارف والكفايات والمهارات والقيم اللازمة للعمل المستهدف، والتهيئة للتعايش مع العصر التقني والتكنولوجي، والتوازن في تأهيل القوى العاملة حسب الاحتياجات المتغيرة، وكذلك تعزيز قيمة العمل والإنتاج، ودعم الاستقلالية في التفكير، ونبذ الاتكالية والنزعة الاستهلاكية. ولا شك أن الذي زاد من علاقة التربية بالتنمية وخاصة في منتصف هذا القرن هو الاقتصاد كمحور مهم، حيث ظهرت بعض النظريات المهمة مثل نظرية "رأس المال البشري"، والتي تعتبر بمثابة الإطار النظري المسؤول عن التبني الكامل للعلاقة الجدلية بين التعليم وسياسات التنمية، حيث أصبح التعليم بمقتضاه الحاسم الأول في النمو الاقتصادي للدول. ومع ظهور هذه النظرية زاد الاقتناع بدور القدرة الإنتاجية للموارد البشرية في العملية التنموية واعتبارها رأس مال مستثمرة.
و يبقى التخطيط أهم آلية لبلورة وتجسيد الرؤى على أرض الواقع. ذلك التنمية تستلزم التوفر على ميكانيزمات التفكير الاستراتيجي، والتخطيط الاستراتيجي الذي ينبني على مجموعة من العناصر المساهمة في نجاح التخطيط ومنها: الرؤية الواضحة، والقيم المرشدة، والصلاحيات، وتشخيص الاحتياجات، والأهداف المركزية، وتدقيق الغايات، ورسم خطط العمل، ثم التنفيذ والمراقبة مع اعتماد أسس وآليات التتبع والمواكبة. إذ لا يكفي التوفر على تصور وبناء خطط لإنجاح التنمية رغم أهميتهما القصوى، بل لابد أيضا من التوفر على قدرات وموارد بشرية مبدعة وخلاقة قادرة على تجسيد هذا التصور وبلورة وتطبيق المخططات التنموية. من هنا تبرز أهمية تقوية قدرات الفرد في عملية التنمية مع استحضار أن هذا الفرد هو الأداة والهدف في المسلسل التنموي في نفس الوقت.
ولتحقيق أهداف وغايات التنمية المأمولة، عملت المدرسة المغربية الجديدة في الآونة الأخيرة على تبني اختيارات تربوية وبيداغوجية حداثية وحديثة، أثبتت فعاليتها في دول أخرى، وخاصة اعتماد مدخل الكفايات لتحديث وتفعيل المنظومة التربوية والتكوينية المغربية، وفي علاقة مع المشروع التنموي المستدام وآمال النهضة المجتمعية الشاملة. لكن هل تمت ترجمة هذه التصورات النظرية المبرمجة مركزيا كما تم وضعها؟ أم هناك عمليات تكييف وملائمة مستمرة حسب الوسائل والتقنيات والمتطلبات المحلية المتاحة؟ وهل يمكن للمدرسة المغربية أن تكون وسيلة من وسائل تحقيق عملية التنمية؟ وما هي العوائق التي تقف حاجزا أمام تحقيق هذه التنمية؟
استنادا إلى ما سبق حاولنا تقديم رؤية واضحة من خلال بحوث متنوعة استقرت على تأليف كتاب جماعي تكون مقالاته منسجمة مع الإصلاح الذي طال المدرسة المغربية، سواء من حيث المناهج والبرامج التي تحوي مفاهيم راسخة وثابتة من قبيل القيم والمضامين والقدرات والمعارف...، أو من حيث البنية والفضاءات ومستلزمات الدراسة... حاولنا وضع خطة اقتراحية لبعض جهود الباحثين كل حسب رؤيته لاستكمال الخط المنهجي الذي رسمته الوزارة باعتماد مقاربات بيداغوجية، فكان اقتحام المناويل التّعليميّة والتّجارب العالميّة في إعداد المتعلم وتعليمه حتّى تصبح المؤسّسة التعليمية الحديثة في المغرب نموذجا للمدرسة الحديثة في العالم.
يهدف مشروع تأليف هذا الكتاب إلى ما يلي:
- الإسهام في تطوير المدرسة وجعلها بوابة كل تنمية؛
- الطموح في تحقيق الجودة في نظامنا التعليمي ومعه الجودة في شتى مناحي الحياة الاجتماعية والثقافية والاقتصادية والتكنولوجية وغيرها؛
- ربط التعلم بحياة المتعلمين اليومية بما يسهم في تطبيق المعرفة وتوظيفها بطرائق ابتكارية تحقق المتعة في التعلم؛
- تمكين المتعلمين من حذق كفايات التعلم الميسّرة المنفتحة على التكنولوجيا الحديثة وعلى الحياة،
وختاما يمكن القول إن كتاب ″النظام التربوي المغربي في أفق تجديد الممارسات المهنية″، جاء من أجل فتح نقاش علمي حول أهم المقومات الأساسية التي بني عليها إصلاح نظام التربية والتكوين في المغرب منذ عهد الميثاق الوطني للتربية والتكوين(2000) إلى الآن في مختلف المجالات، ومن أجل المساهمة في تقييم مرحلة من مراحل الإصلاح التربوي في المغرب التي عرفت نوعا من الجدية ورفع شعارات التنمية البشرية، والعدالة الاجتماعية، والتأهيل الاقتصادي، وانفتاح المؤسسة التعليمية على المحيط السوسيو-اقتصادي وغيرها، وفي حقبة تم فيها تجاوز الوظائف التقليدية للمدرسة من قبيل الحفاظ على الثقافة وإعادة إنتاجها أو التأكيد على الجانب الإيديولوجي لهذه المؤسسة، بل تطوير فعل التفكير من أجل تأهيل العنصر البشري لتطوير المجتمع اقتصاديا وقيميا.
الصديق الصادقي العماري
سعاد اليوسفي