التربية على المواطنة وحقوق الإنسان مشروع تكوين مواطن الغد

In الصديق الصادقي العماري وآخرون & Seddik Sadiki Amari (eds.), واحات زيز وغريس: المجال والإنسان والمجتمع. pp. 43-62 (2021)
  Copy   BIBTEX

Abstract

إن أزمة القيم تعد من السمات الواضحة في العصر الحاضر، نتيجة لطغيان المادة على ما حولها من قيم ومبادئ، فالتقدم الباهر الذي وصل إليه الإنسان لم يحقق له التوازن النفسي الذي يبتغيه، بل إنه ساعد على اهتزاز القيم وضحالتها بداخله فأصبح كل ما يهمه المادة فحسب، فهو لايرى إلا ذاته، ولا يسمع إلا صوته، ونتيجة لهذا ضعفت القيم التي تحافظ على الترابط الاجتماعي. مما أدى إلى تفشي مشاكل اجتماعية كثيرة مثل الانحراف وتعاطي للمخدرات بكل أنواعها٬ وتفكك الأسر نتيجة الطلاق والأمية والبطالة وطغيان أسلوب العنف٬ ومشاكل أخرى كالتشرد والتسول والعدوانية والفردانية لأن الأفراد أصبحوا لا يهتمون إلا بما يخدم مصالحهم الشخصية٬ وكذا الغش والرشوة والمحسوبية. وبالتالي أصبحت الحاجة ماسة إلى التربية على القيم والمبادئ الأساسية التي تنظم العلاقات الانسانية بين الأفراد. وتعد المدرسة أحد الأجزاء الأساسية للمجتمع٬ والتي تقوم بفعل التربية والتكوين، من أجل تأهيل المتعلم لكي يكون قادرا على الاندماج في هذا المجتمع عبر مجموعة من الوظائف الايجابية والسلوكات المدنية الفعالة. وهذا الهدف الأسمى لن يتحقق٬ في نظرنا٬ إلا باعتماد فلسفة تربوية تقوم على برامج ومناهج حية تستهدف ترسيخ قيم المواطنة والسلوك المدني وقيم حقوق الانسان، يكون لها ﺁثار إيجابة على الفرد والمجتمع. فماهي علاقة التربية بمنظومة القيم؟ وكيف تساهم التربية على قيم المواطنة وقيم حقوق الانسان في تكوين متعلم اليوم٬ وتأهيله ليصبح مواطن الغد؟ وهل يكفي اعتماد هذه التربية القيمية في البرامج والمناهج التعليمية للحكم على سلوك المتعلم بالاستقامة والصلاح بما يجعله مستقبلا مواطنا صالحا؟ أم أن هناك إجراءات أخرى أساسية إضافة إلى الفلسفة التربوية المعتمدة؟ إن القيم ضرورية لتحقيق السعادة للفرد والمجتمع، وتنظيم سلوك الناس، مما ييسر العيش الهادئ الكريم ويحفظ الحقوق، ويمنع الطغيان والاعتداء، فهي تعمل على تحقيق المجتمع المتعاون على الخير، وتجعل المسؤولية بين الفرد والمجتمع تبادلية وتضامنية ومتوازية، تحفظ للجماعة مصلحتها، وقوة تماسكها، وللفرد حريته، وبدون القيم تنحط الجماعة البشرية إلى مرتبة الحيوانية ويكفي ٬للتدليل على ذلك٬ أن نتصور مجتمعا خاليا من الصدق والأمانة، والإخلاص، والعطف على العاجز والفقير، وحب الخير، لاشك أن هذا المجتمع لا يمكن أن يستقيم له أمر من دون وجود تربية على قيم و أخلاق نبيلة. فالقيم ترتبط بواقع الحياة اليومية ارتباطا وثيقا، لأنها ينبغي أن تكون في الحقل، والمصنع، والمدرسة، والأسرة، بحيث يظهر الإخلاص في العمل والصدق في القول والفعل، والثقة والوفاء ومحاربة التواكل، والتهاون٬ كما ينبغي أن تجسد هذه القيم لتكون سلوكا إيجابيا في المجتمع، تحقق الخير له وللإنسانية جمعاء ولن يتحقق ذلك إلا عبر قاطرة مبنية على أسس وركائز متينة قوامها البرامج والمناهج الحية والأطر والمؤسسات التي تقوم بوظيفة التربية والتكوين والترشيد لا التدريس فقط. ومما يدل على ارتباط القيم بواقع الحياة اليومية، والذي تسعى المدرسة إلى تمتينه وتعزيزه، أننا لا يمكن أن نتصور الصدق إلا في إنسان صادق، والوفاء إلا من إنسان وفي. وبالتالي فإن التربية على القيم والأخلاق تعد غاية كبرى من غايات المدرسة المغربية الراهنة. لذلك أكد الميثاق الوطني للتربية والتكوين على جعل المتعلم في قلب الاهتمام والتفكير والفعل أثناء العملية التعليمية التعلمية٬ والأخذ بعين الاعتبار خصوصياته الفردية داخل جماعة الفصل غير المتجانسة٬ من أجل العمل على إنجاحه في الحياة٬ وتأهيله للتوافق مع محيطه في كل فترات ومراحل تربيته وتكوينه، وذلك بفضل ما يكتسبه من كفايات ضرورية لإحقاق النجاح والتوافق

Analytics

Added to PP
2024-01-16

Downloads
84 (#93,972)

6 months
58 (#88,972)

Historical graph of downloads since first upload
This graph includes both downloads from PhilArchive and clicks on external links on PhilPapers.
How can I increase my downloads?