Abstract
إن أهمية التعليم في حياة الشعوب و األمم يدركها الجميع تماما كما
يدركون المكانة التي ال يحسد عليها التعليم ببالدنا، و الذي تكشف
أهواله التقارير الدولية التي تصنفنا في ذيل قوائمها. الجميع يقر
بوجود أزمة خانقة ومعقدة تنخر تعليمنا. الجميع ينادي بتفادي غرق
السفينة و االنخراط في مسلسل "إصالح" األزمات المتعاقبة بتعاقب
الليل و النهار. و أمام اإلقرار بهذا الداء، ما يمنعنا من تشخيص طبيعته
و تحديد أسبابه، من أجل وصف الدواء بدقة وتقديم العالج المناسب؟
هنا تبرز زوايا النظر المختلفة ونوع القيم و المبادئ المرجعية،
و ربما أيضا المصالح المختلفة، فتأتي اإلجابات متباينة، بل
و متضاربة، ومنها التي تسعى إلى تأمين مكانة من هو في مكانه و ليس
االستجابة لحاجيات المجتمع وتلبية انتظاراته. ومن تم تكمن صعوبة
معالجة هذا الموضوع و تصبح متعذرة إذا لم نستحضر ثالث
معطيات:
ــ أوال: أن أزمة التعليم ذات جذور تاريخية عميقة تعود لعقود من
الزمن، بل أعمق في غياهب التاريخ، مما يتطلب إعادة تقليب و قراءة
فترات طويلة من مسار أمتنا و إزالة ما لطخها من أدران و الكشف عن
ُطمر أو انطمر من محاسنها.
كثير من جوانبها المظلمة مع بعث ما
ــ ثانيا: أن أزمة التعليم مركبة وال يمكن وضع حد لها إال بإصالح
البيئة التي انبثقت منها، أ ي أن مشاكل التعليم لن تنتهي إال
بحل باقي المشاكل التي تتخبط فيها األمة على المستوى القيمي
و السياسي و االقتصادي وغيره.
ــ ثالثا: أن معظم مبادرات الفاعلين التربويين، و هيآت المجتمع
المدني، و صناع القرار، لم تتجاو ز بعد التصفح السطحي و االقتراحات
التجزيئية للقضايا، وتتجاهل المعالجة الشمولية عنادا أو إمعانا في
ترسيخ و استدامة عمر األزمة، أو استثقاال لمستلزمات التغيير
المنشود.