Abstract
انتشرت ظاهرة الغش في الامتحان إلى الحد الذي جعلها عادة مألوفة يمارسها السواد الأعظم من التلاميذ، ويصنف الراغب عنها في حكم الشاذ الذي لا يعتد به، وقد تطور الأمر إلى الإبداع والتفنن في ابتكار الوسائل والطرق "الحديثة" التي لم تخطر من ذي قبل على بال أحد من العالمين، ولأن ما يتكرر يتقرر فقد صارت هذه الآفة جزءا من "الممارسة البيداغوجية"، بل تحولت إلى صاحبة الشأن الأول التي يتبتل التلميذ في محرابها الساعات الطوال تفكيرا وتنظيرا وممارسة، حتى وصل إلى درجة الكمال والبلوغ في الاهتداء إلى أنجع السبل وأكثرها تطورا، مسجلا بذلك براءات اختراع مبهرة.
ولعل نظرة فضولية إلى طوابير التلاميذ المقبلين على محلات النسخ قبيل الامتحانات تظهر بجلاء "حيوية هذه السوق" التي تكيف تجارها مع واقعها، وكونوا أنفسهم ليواكبوا مستجداتها، وينالوا رضا زبنائهم، وكل هذه "الدينامية" تجري أمام أنظار السلطات العمومية التي تكتفي بالتفرج السلبي على المشهد، كأنها لاتدري أن حرمة القانون تنتهك بهذا السلوك المخل بالأمن التربوي، وتستوجب الضرب بيد من حديد على أيدي هؤلاء "التجار" الذين يشيعون الفاحشة في أرض التربية والتعليم بضمائرهم الميتة وجيوبهم الجشعة.
إن الانتشار الواسع لهذه الظاهرة أكسبها شرعية الفعل، وأسقط عن ممارسيها الشعور بالإثم الذي يحيك في القلب ويحجز من يهم به عن إتيانه خشية أن يطلع عليه الناس، فصار التباهي سمة المقدم عليها، وإنتاج الأبطال والفرسان نهاية حلبتها.